العولمة


العولمة

العولمة تعني  جعل الشيء عالمي الانتشار في مداه أو تطبيقه. وهي أيضاً العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات، سواء التجارية.(أو جعل الشيء دولياً). تكون العولمة عملية اقتصادية في المقام الأول، ثم سياسية، ويتبع ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية وهكذا. أما جعل الشيء دولياً فقد يعني غالباً جعل الشيء مناسباً أو مفهوماً أو في المتناول لمختلف دول العالم. وتمتد العولمة لتكون عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط، مع إزاحة أسوار وحواجز محددة بين الدول وبعضها البعض.تعرف مجموعة من الدول الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي نموا كبيرا جعلها تبحث عن مصادر وأسواق جديدة مما يجعل حدودها الاقتصادية تمتد إلى ربط مجموعة من العلاقات مع دول نامية لكن الشيء غير مرغوب فيه هو أن هذه الدول المتطورة على جميع المستويات الفكرية والثقافية والعلمية دخلت في هوية الدول الأخرى إلا أنها حافظت على هويتها الثقافية خاصة وأن العولمة لم تقتصر فقط على البعد المالي والاقتصادي بل تعدت ذلك إلى بعد حيوي ثقافي متمثل في مجموع التقاليد والمعتقدات والقيم كما أن العولمة لا تعترف بالحدود الجغرافية لأي بلد بل جعلت من العالم قرية صغيرة.
ثقافة العولمة و آلياتها
من المعروف أن العولمة ما هي إلا نظام رأسمالي متطور   وقد كانت الرأسمالية تعتمد في توجهاتها نحو هدفين لا ثالث لهما ظلا كثوابت استراتيجية .. بالرغم من التغيرات الداخلية خاصة ما يتصل بالآليات المستخدمة لتحقيق هذين الهدفين وهما أولا التركيز على التجديد والتطوير والإبداع في داخل النظام الرأسمالي ذاته بهدف تحقيق نمط نموذجي بالقوة العسكرية أو الاقتصادية والحضارية والسياسية والتي يتميز بها عن أي نظام آخر يمكن أن ينافسه .
أما المغزى الثاني فيتمثل في تأكيد الهيمنة الخارجية من أجل تحقيق الهدف الأول
وما كان من مشروع الهيمنة ودعمها سوى تكريس التخلف وتراكمه في الدول الأخرى والتي احتلت موقع التابع للمركز القوي المتمثل في القوى العظمى وملحقاتها .وكان لا بد لفرض الهيمنة وتسهيل شروطها لتشمل أكبر عدد ممكن من الدول إيجاد آليات سريعة  كالتطورات التقنية وأدوات الاتصال المعلوماتية الحديثة التي عملت على إمكانية الهيمنة على صعد مختلفة اقتصادية وسياسية وثقافية  إذ من خلال هذه التطورات أصبح من الممكن التعامل والإطلال على ثقافات قومية وأوضاع اجتماعية متميزة .. وكانت المهمة الأولى للعولمة هي تدويل الاقتصاد وتدويل رأس المال وقوة العمل والإنتاج وأيضا تدويل أنماط الاستهلاك وتدويل الثقافة كذلك . وقد كان تدويل رأس المال الاقتصادي من خلال خلق سوق مشتركة أو موحدة أي توحيد أسواق الإنتاج والاستهلاك وتدعيم أواصر الصلة بين مصالح الفئات الأكثر اهتماما ونشاطا بل والأكثر قوة على إدارة العملية الاقتصادية وتداخلها .. والموجهة للأنشطة الإنتاجية في الدول المختلفة .. وهو ما لق نوعا من الحراك الاجتماعي أثر على البنى التقليدية في المجتمعات التابعة الأقل تطورا .. مما أدى في المرحلة الحالية إلى ظهور متزايد ومضطرد للبطالة واتساع الفجوة إن كان بين الدول ذاتها أو بين الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة على مستوى الدولة الواحدة .. فقد أدت حرية انتقال السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود .. دون أي قيود .. إلى الإقلال بل الاستغناء عن اليد العاملة ومن ثم ظهور مشكلة العمالة التي أصبحت من أهم العوامل الأساسية لظهور البطالة وتفشيها بصورة واسعة على مستوى العالم كله .. مما نتج عنه فارقا طبقيا بينا نتيجة تفاوت توزيع الدخول .. وتفتيت البنية الاجتماعية . وانطلاقا من هذا يرى مؤلفا الكتاب ( فخ العولمة ) أن المنافسة المعولمة أصبحت تطحن الناس طحنا .. وتدمر التماسك الاجتماعي .. وتعمل على تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس3 . فإذا كانت العولمة تعد رديفا لتنامي الرأسمالية عبر أربعة قرون الأخيرة .. فما الذي استدعى أو استجد راهنا ليستدعي حضورها الطاغي ؟
الآليات المباشرة أولا / تحرير السوق والليبرالية والخصخصة
من الأسس الاستراتيجية الهامة في دعم النهج الاقتصادي الأمريكي أو الغربي عامة هو خلق مجال أو دائرة قابلة للتوسع بما يخدم الأهداف المستقبلية الغربية .. وقد كانت هذه الآلية والتي تعتمد على تحرير السوق والليبرالية الجديدة والخصخصة من أهم الآليات الاقتصادية التي تفعل فعلها في توكيد منهجية أو تأسيس هيكلة اقتصادية قادرة على الإيفاء بكل ما تحتاجه السوق الأوروبية الأمريكية لدعم منتجاتها وضمان تسويقها على نطاق واسع مما يعمل على اشتغال رأس المال وزيادة مردوده المادي. وهو ما أدى على زيادة الاهتمام والاعتماد على قانون العرض والطلب والذي كانت له تأثيراته البعيدة المدى في خفض الأيدي العاملة وخفض الأجور وغياب الرفاهية ..
ثانيا / إنشاء المؤسسات الليبرالية  الشركات العابرة للقارات ( أو ( الشركات المتعدية الجنسية ) أو ( الشركات المتعددة الجنسية ) أو ( صندوق النقد الدولي ) أو ( البنك الدولي ) أو ( منظمة التجارة العالمية ) هي المؤسسات الرئيسية أو الهياكل الاقتصادية المركزية التي تجسد الليبرالية الجديدة في صورتها المتطرفة .. وهي تعني موتا محققا للعالم الثالث.والتي تتحدد مصالحها من خلال ما تتخذه من استراتيجيات ( معولمة ) بكسر اللام .. لها نهجها الخاص لفرض قوانين مالية لها فاعليتها في مجال ( السوق , وتداول العملات , وتبادل المصالح , وترويج السلع ) خاصة وأنها تعتمد في تطورها على ( الاستفادة من فروق الأسعار أو نسبة الضرائب أو مستوى الأجور ....
ثالثا/ الهيمنة الاقتصادية المقصود بالهيمنة الاقتصادية هو السيطرة أيديولوجيا واحدة على كل مناحي الحياة في كل بلاد العالم .. ويأتي ذلك من خلال منهجية التغلغل الداخلي وذلك بصياغة نمط رأسمالي يراد أن يكون هو النمط الوحيد الذي يؤخذ به داخل بلدان العالم .. وبالأخص البلدان النامية أو العالم الثالث .. حيث أن هذه السيطرة ستفض ي على أن تكون منظومة الرأسمالية هي المنظومة التي ستحد من تطور تلك الدول ويؤدي بها إلى التبعية اللازمة والضرورية لتأكيد مفهوم الهيمنة وترسيخ فاعليتها وذلك من خلال إعاقة أي مظهر من مظاهر النمو الاقتصادي الصناعي
                                                       الآليات غير المباشرة أو الداعمة
أولا / الهيمنة السياسية من الواضح أنه ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي أمريكا تسعى لأن تنفرد بالشأن السياسي العالمي دون أن يكون هناك منافسا لها في إصدار القرارات .. أو قطباً يعيد للعالم التوازن المطلوب .. ومنذ تلك اللحظة وهي تسعى لأن تحافظ على مصالحها دون أن تقيم أي اعتبار لأي دولة غيرها .. لذا كان من ضرورات هذا المطلب أن تسعى إلى تغيير سياسات العالم كله .. وبأن تتبنى نموذجا يراعي مصالحها ويحرص عليها .. فما كان منها إلا أن صكت قوانين تجارية ترمي إلى استلاب الدول أو الحكومة بمعناها الواسع حقها المشروع في القيام بواجباتها ومسؤولياتها التقليدية أو المعروفة ..
·            ثانيا / تبديد الهوية ونفي الخصوصية
كانت أهم مساعي العولمة نحو تأكيد هويتها وترسيخ مفهومها .. والتي لا يتم لها ذلك إلا من خلال استراتيجية أساسية ومحورية قد تبناه الفكر العولمي ألا وهو محو الخصوصيات الثقافية والفكرية والأيديولوجيات لكل البلاد التي تقع على هامش العولمة أو تلك البلدان التي تسمى بدول العالم الثالث والتي هي في موقع التابع .. ولتكون لها التبعية الكاملة والشاملة .. كان لا بد من خلق نموذج عولمي والعمل على دفع الدول إلى الاحتذاء به .. وقد كانت السياسة الغربية تعمل على استبعاد العالم الثالث من خلال فعالياتها العسكرية في الماضي وفرض السلطة العسكرية .
ثالثا / توظيف العلم للاختراق الثقافي لقد لمسنا من قبل محاولات عدة من جهة الغرب للاختراق الثقافي .. فالاختراق الثقافي ليس أسلوبا حديثا لم تخبره مجتمعات العالم الثالث من قبل .. إنما هو آلة من آليات الهيمنة والسيطرة منذ تاريخ الاستعمار الأول .. إلا أنه إلى جانب هذه الوسيلة الفعالة استجدت على الآلة الاستعمارية أساليب ووسائل متطورة جاءت متكيفة بما تناسب ويتلاءم والتطورات الفكرية والسلوكية لهذه المجتمعات .. ولتتم محاولات الاختراق الثقافي .. وتنجز مهمتها .. كان لا بد أن يكون ذلك مسبوقا بكثير من البحوث الأكاديمية والدراسات الاجتماعية والنفسية وتوظيفها لمعرفة الأبعاد الرئيسية لدول العالم الثالث الهدف منه وضع مخطط مدروس من قبل الجهات الغربية لضمان الفاعلية القصوى لكل ما تتوجه له هذه البلدان من سيطرة ثقافية أو محاولة السيطرة ثقافيا أو إعلاميا لتثمر جهودهم وتحقق المطالب والأهداف المستقبلية لهذه الاختراقات أو الهيمنة .. كما أن التكنولوجيا الحديثة في كثير منها قد وظف بما يساعد على الاختراق الثقافي والإعلامي بهدف تغيير البنى الثقافية التقليدية .. وتبديد أي تنمية مستقبلية لا تتفق وأهداف الاستراتيجية العولمية الغربية .. وتشتيت الفكر وتشرذم القوى السياسية والاقتصادية .. وانهيار البنى السياسية التقليدية وانحسار السلطة الوطنية .. كل ذلك بعد دراسة هذه البنى وهذه الهياكل وتحليل هذه القوى بكافة الوسائل العلمية وكافة الإمكانات التي أنتجتها العقلية الغربية ( الأورو أمريكية ) . من هنا أيضاً يمكننا القول أن العالم بالفعل أصبح قرية كونية صغيرة .

الخاتمة

بناءً على ما تقدم ونتيجة له تأخذ التنمية شكلاً وطبيعة جديدة .. إذ لم تعد تعتمد على التعبئة العامة لجميع القوى وتفعيل الإرادات على كافة المستويات .. إنما تحولت إلى تنمية استثمارية خارجية للشركات المتعددة الجنسية .. أي تركيز التنمية على الجانب الاقتصادي فقط والتي تصر على فتح أبواب ونشر أساليب جديدة في الاستهلاك الترفيهي بواسطة جهاز الإعلان المتطور .. واعتماد نظام السوق ليكون أساس التنمية وطريقها الوحيد .. وظهور مجموعة جديدة من السلع المادية التي تحتاج إلى مهارات عالية .. تستقطب قلة قليلة من أفراد أو فئات المجتمع على حساب الفئات الأخرى .. مما عمل على اختلال توزيع الدخل القومي توزيعاً غير عادل سواء على مستوى الأفراد أو مستوى الدول ذاتها .. هو الذي أدى بدوره إلى إهمال الجانب الثقافي والاجتماعي .
ششارك على جوجل بلس

عن Unknown

أكتب هنا نبذة عنك للتعريف بنفسك.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق